حسام الزير
كلاجئين، نمرّن أعصابنا يومياً، لنتقبّل الأخبار المتلاحقة، كثيرها سيء، بعضها جيّد، الفارق بينها دقائق أو ثوان، لا تحتمل أعصابنا هذه التغيّرات المتتالية المفاجئة، لذلك هي بحاجة لتمارين.
لم يتم تسجيل أي اكتشاف علمي حول كيفية تغلّب اللاجئين عصبياً على الأخبار السيئة، لكن يدين العالم حتماً لهذه الخطوة غير المعلنة إلى اللاجئين السوريين في لبنان وتركيا.
خلال الأعوام الأخيرة، كانت الحاجة ملّحة للبقاء على قيد الحياة دون أمراض قلب وشرايين وجلطات، كيف ذلك ومعظم الأخبار سيئة؟! بكل تأكيد غير ممكن.
خبران متتاليان مثلاً يؤديان إلى مرض حتماً، وكما لائحة شروط الإقامة، لدى السوريين لائحة أمراض وأسبابها:
فرض فيزا للسفر وإلغاء الإقامات للسوريين، سببان يؤديان إلى ارتفاع الضغط، خفقان شديد في القلب، ورحلة بسيارة الإسعاف قبل الجلطة.
أخبار الترحيل عموماً (احتشاء عضلة قلب) وأخبار إيقاف الكملك (شلل أطفال)، وطرق الأبواب ليلاً للتأكد من بطاقات الهوية، (فوبيا أبواب وشبابيك)، تجديد الإقامة أو جواز سفر (انسداد شريان أو أكثر)، رفع إيجار منزل كل عدة أشهر (حالة هلع تؤدي لسلس بولي).
ولا يتسع هذا المقال للشرح بالتفصيل لكن أسباب الأمراض أو حتى الوفاة كثيرة جداً، بعضها يؤدي إلى أمراض على شكل حلقة مفرغة لا يمكن التخلّص منها، كإشاعة على تويتر تؤدي للتوتر وكسر الهاتف وأغراض منزلية أخرى ثم الانكسار مادياً لشهرين وهو ما يؤدي بدوره إلى توتر، وهكذا.
وعلى مبدأ الوقاية خير من العلاج، قرر السوريون في لبنان وتركيا، البدء باكتشاف حل يساعدهم على تقبّل الواقع المميت كما هو، عبر تمارين ليست رياضية وإنما نفسية.
ككذبة أول نيسان أو عيد الهالوين، نفاجئ الناس بأخبار مزيفة سيئة، كل يوم أو يومين، ثم خبر جيد، ونعيد الكرّة عدّة مرات خلال شهر واحد، أو على القاعدة التي تقول تعلّم أي شيء في العالم خلال 40 يوم.
هذه الحيلة النفسية تشبه إلى حد كبير اللقاح، ضرر يمكّن الجسم من مقاومته حتى يكسب مناعة ضده، وهكذا عبر السنوات الفائتة، تمكّن السوريون من معرفة الحد الذي لن يصيب اللاجئ بمرض ينهيه، ليكسب بعدها التناحة اللازم ضد الأخبار السيئة والقرارات الصعبة.
سيكون الخبر التجربة، عن نيّة لترحيل بعض الأشخاص، ثم أخبار عن ترحيلهم بالفعل، وبعدها خبر عن عودة المرحّلين، مرحلتي شد أعصاب ثم مرحلة رخي.
وكأي تجربة علمية لا ترضي الجميع، لجأ البعض إلى الشعوذة، يتمتم على الأخبار السيئة، ثم يتف، يُغرق شاشة هاتفه لا مشكلة، المهم أن تزول لعنة الأخبار وموجات الكراهية.
يقال أنها تجربة خطرة، لأنها قد تحضر أخبار أسفل من العالم السفلي، وهنا سيضطر اللاجئ للعودة إلى علم اللجوء السريري "تمرين الأعصاب".
آخرون اتجهوا للصلاة بأشكالها المختلفة المأخوذة من كل الديانات السماوية، وبكل اللغات، القرارات لا تتغير وطيور الشؤم ناشرو الكراهية ومروّجوها لا يكفّون عن وسوستهم وابتكارهم للشروخ المجتمعية.
في المرحلة الثانية، الدعاء والصلاة سيكون أملاً في الخلاص الأخير من كل هذه الحفرة الإنسانية العميقة.
هكذا يتغلّب اللاجئون السوريون على موجات الأخبار والقرارات ضدهم.. وإلا كيف كانوا ليبقوا على قيد الحياة حتى الآن؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق