آخر القصص
recent

الحفرة

 في هذا المكان تنتهي رحلتي، أنا الآن جثة محترقة تلقت رصاصاً من الخلف، تحوّلت مع الزمن إلى عظام وتفتتت.

ذاكرتي فقط مازالت تنبض بالحياة، تحوم حول الحفرة.

سمّوني كما شئتم، الأسماء ليست مهمّة الآن، المهم أن لي حكاية كباقي البشر، وألم كباقي السوريين.

في هذه الحفرة إلى جانبي، أب لثلاثة أطفال، كان سيعود إلى منزله حاملاً خبزاً وماء، تعثّر بالقدر، سُجّن، تعذّب وانتهى به الحال هنا، روحه تصارع بقايا عظامه، تحلم أن تقف من جديد لتطمئن على الملائكة المنتظرين في المنزل لحظة عودته. فرقتهم بطاقة هوية على حاجز، رصاصة وحفرة.

أسفل بقاياي، شاب، في سنته الجامعية الثالثة بقسم التاريخ، كان يشتكي من مناهج دراسته، ويتمنّى فقط أن تنتهي هذه المرحلة من حياته ليبدأ مشروعه الذي يحلم به، كتابة سير عظماء الشام، انتهى مشروعه هنا كما تعلمون.

أما خلف تلك الإطارات، ذلك السيد المتقدر، لطالما كنّا نتمنى أن نركب سيارته، ونلبس عندما نكبر ملابسه، كان معتدّاً بنفسهم، متجهم، من طبقة مختلفة تماماً، أكثر حظوة، حققت له امتيازات كثيرة حتماً.

ما الفائدة؟!، سُرق ماله، وسيارته وبذلاته، وحُطمت أحلامه بالسفر إلى الخارج، احترقت امتيازاته تماماً، ووصل الحريق إلى جسده فأفناه.

أما أنا فكنت أعرف تماماً أنني سأنتهي هنا، في حفرة الرماد هذه، كما لو أني شاهدت هذا المشهد من قبل، لكن لتعلموا الحقيقة، أنا راضٍ عما آلت إليه الأمور، أن أموت مظلوماً مرتاح الضمير أفضل من ألف مرّة من أن أموت ظالماً.

وحديثي الذي تسمعونه الآن هو صورة حيّة منقولة بشريط الذكريات، ممزوجة برائحة الاحتراق، حتى تعلق في عقولكم قصصنا.

نحن عشرات الأشخاص المقتولين، لكل منا حكاية لسنا أرقاماً.






الحكاية

الحكاية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

hussam. يتم التشغيل بواسطة Blogger.